السبت، 11 أغسطس 2007

ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى ..

الحمد لله
مما اشتهر على الألسنة قول الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد في معلقته:
ولولا ثلاث هن من لذة الفتى *** وجدك لم أحفل متى قام عودي
فمنهن سبق العاذلات بشربة *** كميت متى ما تعل بالماء تزبد
وكري إذا نادى المضاف محنبا *** كسيد الغضا ذي الطخية المتورد
وتقصير يوم الدجن والدجن معجب *** ببهكنةٍ تحت الطراف المعمد

(ينظر شرح الأبيات في شروح المعلقات).

وأعجب الشعراء بهذا المعنى، فعارضوه بما تيسر.
وكان منهم ابن أبي الحديد المعتزلي الرافضي فقال:
لولا ثلاث لم أخف صرعتي *** ليست كما قال فتى العبدِ
أن أنصر التوحيد والعدل في *** كل مكان باذلا جهدي
وأن أناجي الله مستمتعا *** بخلوة أحلى من الشهد
وأن أتيه الدهر كبرا على *** كل لئيم أصعر الخد
لذاك لا أهوى فتاة ولا *** خمرا ولا ذا ميعة نهد

وتذكرت حين قرأت كلام هذا الرافضي ضمن ترجمته في مقدمة تحقيق كتاب (الفلك الدائر على المثل السائر)، ما أثر عن الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، أنه لما حضره الموت، قال: انظروا أصبحنا؟ فأتى فقيل: لم تصبح، فقال: انظروا أصبحنا؟ فأتى فقيل له: لم تصبح حتى أتى في بعض ذلك فقيل: قد أصبحت، قال: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار. مرحباً بالموت مرحباً، زائر مغب، حبيب جاء على فاقة. اللهم إني قد كنت أخافك فأنا اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب، عن حلق الذكر).

ثم تجشمتُ محنة القول، فقلتُ:
لولا ثلاث لم أبال بميتتي *** ليستْ كما زعم الفتى البكري(1)
بسطيْ الكتابَ أمام عينِي مونقا *** تُدني صحائفُه جنا الفكر
ومجالسٌ للعلم فيها يُنتقى *** خير الكلام وأفضل الذكر
ودعاء ربي - حين يرقد غافل - *** مستمتعا بنسائم الفجر.

(1) : طرفة بن العبد من بكر بن وائل.

الأحد، 5 أغسطس 2007

في معنى قوله تعالى: (ويستحيون نساءكم)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
اشتهر عند كثير من أهل الوعظ والخطابة، إيرادهم لفظة (يستحيون) بمعنى: (ينتهكون الأعراض)؛ فيقول قائلهم مثلا عن اليهود أو الصليبيين وما يفعلون بالمسلمين: (يقتلون أولادهم ويستحيون نساءهم)، ونحو ذلك.
وهذا الصنيع يوهم أن هذا معنى اللفظة في القرآن الكريم، والحال أن معناها عند جمهور المفسرين: (يستبقون نساءكم فلا يقتلونهن).
فالاستحياء استفعال يدل على طلب الحياة، كالاستبقاء (طلب البقاء) والاستسقاء (طلب السقي). وفي لسان العرب: (واستحياه أبقاه حيا وقال اللحياني استحياه استبقاه ولم يقتله، وبه فسر قوله تعالى ويستحيون نساءكم أي يستبقونهن).
وفي معنى اللفظة في القرآن قول آخر، وهو: (يفتشون حياء المرأة - أي فرجها - هل بها حمل أم لا). وفيه نظر.
نعم، قد يقال إن الاستحياء بمعنى الاستبقاء في الحياة قد يستلزم الاعتداء على العرض. وقد أبدع ابن عاشور – رحمه الله - بقوله:
(ووجه ذكره – يقصد لفظة الاستحياء - هنا في معرض التذكير بما نالهم من المصائب: أن هذا الاستحياء للإناث كان المقصد منه خبيثاً، وهو أن يعتدوا على أعراضهن، ولا يَجدن بداً من الإجابة بحكم الأسر والاسترقاق، فيكون قوله : (ويستحيون نساءكم) كناية عن استحياء خاص، ولذلك أدخل في الإشارة في قوله: (وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم) ولو كان المراد من الاستحياء ظاهره لما كان وجه لعطفه على تلك المصيبة).
قلت: فيصح أن يقال إن لفظ الاستحياء في الآية كناية عن انتهاك العرض بعد الاسترقاق، مع كون المعنى الحقيقي للكلمة (وهو الإبقاء في الحياة) غير منفي.
ولا يصح إيقاع اللفظ بهذا المعنى في غير تلك الحادثة المزبورة في القرآن، إذ ليس في ما يتحدث عنه أولئك الخطباء ما يصح معه إثبات المعنى الأصلي للكلمة.
زد على هذا، ما يترتب على فعلهم من لبس في معنى الآية، حتى صار كثير من العوام يفهمونها على غير وجهها.
والله أعلم.